الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأمثال **
*1* الجزء الثاني *2* 2382- عِنْدَ الصَّبَاح يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى قال المفضل: إن أول مَنْ قال ذلك خالد بن الوليد لما بَعَثَ إليه أبو بكر رضي الله عنهما وهو باليمامة: أن سِرْ إلى العراق، فأرادَ سُلوكَ المَفازة، فقال له رافع الطائى: قد سلكتها في الجاهلية، وهى خِمسٌ للإِبل الواردة، ولا أظنك تقدِرُ عليها إلا أن تحمل من الماء، ثم سَقَاها الماء حتى رَوِيت، ثم كتَبَها وكَعَم أفواها، ثم سلك المَفَازة حتى إذا مضى يومان وخاف العطَشَ على الناس والخيل، وخشى أن يذهب ما في بطونه الإبل نحَرَ الإبلَ واستخرج ما في بطونها من الماء، ومضى، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع: انْظُرُوا هل تَرَوْنَ سِدْرا" عِظاماً؟ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك، فنظر الناسُ فرأوا السِّدْر، فأخبروه، فكبَّر، وكَبَّر الناس، ثم هجموا على الماء، فقال خالد: للّه دَرُّ رَافِع أََنَّي اهْتَدَى * فَوّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى خِمْساً إذا سار بِه الجيشُ بَكَى * ما سَارَهَا من قبله إنْسٌ يُرَى عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى * وَتَنْجَلِي عَنهُمُ غَيَابَاتُ الْكَرَى يضرب للرجل يحتمل الَشَّقةَ رَجَاءَ الراحة 2383- عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليقِينُ (انظر الفاخر 1.2 فقد ذكر له أحاديث أخر) قال هشام بن الكلبي: كان من حديثه أن حُصَيْن بن عَمْرو بن مُعَاوية بن كِلاب، خرج ومعه رجل من جُهَينة يقال له: الأخْنَس بن كعب، وكان الأخنس قد أَحدثَ في قومه حَدَثاً، فخرج هارباً، فلقيه الْحُصَيْنُ فقال له: مَن أنت ثكلتك أمك؟ فقال له الأخنس: بل مَن أنت ثكلتك أمك، فردد هذا القول حتى قال الأخنس بن كعب، فأخبرني مَن أنت وإِلاَّ أنقذتُ قلبك بهذا السنان، فقال له الحصين: أنا الحصين ابن عمرو الكلابي، ويقال: بل هو الحصين [ص 4] بن سبيع الغطفاني، فقال له الأخنس: فما الذي تريد؟ قال خرجت لما يخرج له الفِتْيَانُ، قال الأخنس: وأنا خرجتُ لمثل ذلك، فقال له الحصين: هل لك أن نتعاقَدَ أن لا نلقى أحداً من عشيرتك أو عشيرتي إلا سلبناه؟ قال: نعم، فتعاقدا على ذلك وكلاهما فاتِكٌ يَحْذَر صاحبه، فلقيا رجلا فسلَباه، فقال لهما: لكما أن تردَّا على بعض ما أخذتما منى وأدلكما على مغنم؟ قالا: نعم، فقال: هذا رجل من لَخْم قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير، وهو خَلْفي في موضع كذا وكذا، فردَّا عليه بعضَ ماله وطلبا اللَّخْميَّ فوجَدَاه نازلا في ظل شجرة، وقُدَّامه طعام وشراب، فَحَيَّيَاه وحَيَّاهما، وعرض عليهما الطعام، فكره كل واحد أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به، فنزلا جميعاً فأكلا وشربا مع اللخميُّ يتشحَّطُ في دمه، فقال الجهني - وهو وسَلَّ سيفه لإن سيف صاحبه كان مَسلُولا: وَيْحَكَ فتكتَ برجل قد تحرَّمْنَا بطعامه وشرابه خرجْنَا، فشربا ساعةً وتحدثا، ثم إن الحصين قال: يا أخا جهينة أتدري ما صعلة وما صعل؟ قال الجهني: هذا يوم شُرْب وأكل، فسكت الحصين، حتى إذا ظن أن الجهنى قد نسى ما يُرَاد به، قال: يا أخا جهينة، هل أنت للطير زاجر؟ قال: وما ذاك؟ قال: ما تقول هذه العُقَاب الكاسر، قال الجهني: وأين تراها؟ قال: هي ذه، وتطاوَلَ ورفع رأسه إلى السماء، فوضع الجهني بادرةَ السيف في نَحْره، فقال: أنا الزاجر والناحِرُ، واحتوى على مَتَاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعاً إلى قومه، فمر ببطنين من قيس يقال لهما: مراح وأنمار، فإذا هو بامرأة تَنْشُدُ الحصينَ ابن سبيع، فقال لهما، من أنت؟ قالت أنا صخرة امرأة الحصين، قال أنا قتلته، فقالت: كذبت ما مِثْلُك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلواً ما تكلمتَ بهذا، فانصرف إلى قومه فأصلحَ أمرهم ثم جاءهم، فوقف حيث يسمعهم، وقال: وكم من ضَيْغم وَْردٍ هَمُوسٍ * أبي شِبْلَيْن مَسْكَنُهُ العَرِينُ عَلَوْتُ بًيَاضَ مَفْرِقِهِ بِعَضْبٍ * فأضْحى في الفَلاة له سُكونُ وَضْحَتْ عِرْسُه ولَهاَ عليه * بُعَيْدَ هُدُوءٍ ليلتها رَنِينُ وكَمْ من فارسٍ لا تَزْدَرِيهِ * إذا شَخَصَتْ لموقِعِهِ العُيُونُ كصخرة إذا تسائل في مَرَاجٍ * وأنْمَارٍ وعلمهُما ظُنُونُ تُسَائِلَ عن حُصَيْنٍ كُلَّ رَكْبٍ * وعنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليَقِنُ فَمَنْ يَكُ سائلاً عَنْهُ فَعِنْدِى * لِصَاحِبِهِ البَيَانُ المُسْتَبِينُ جُهَيْنَةُ مَعْشَرِي وَهُمُ مُلوُك * إذَا طَلَبُوا المَعَالِيَ لم يَهوُنُوا قال الأصمعي وابن الأعرابي: هو جُفَينة - بالفاء - وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر: تسائل عن أبيها كل ركب * وعند جُفَيْنةَ الخبَرُ اليقنُ قال: فسألوا حفينة، بالحاء المهملة يضرب في معرفة الشيء حقيقةً. 2384- عَثَرَتْ عَلَى الغَزْلِ بأَخَرَةٍ فَلَمْ تَدَعْ بَنَجْدٍ قَرَدَةً القَرَدُ: ما تمعَّطَ من الإبل والغنم من الوَبَر والصوف والشعر. قال الأصمعي: أن تَدَعَ المرأةُ الغزلَ وهي تجد ما تغزله من قطن أو كتان أو غيره، حتى إذا فاتها تَتَبَّعَتْ القَرَد في القُمَامات فتلقطها. يضرب لمن ترك الحاجة وهي ممكنه ثم جاء يطلبها بعد الْفَوت. قال الزاجز: لو كنتُمُ صوفاً لكنتُمْ قَرَدَا * أو كنتُمُ ماءً لكنتم زَبَدَاً أوكنتم لَحْماً لكنتُمْ غُدَدَا * أو كنتُمُ شاءَ لكنتُمْ نَقَدَا أو كنتُمُ قَوْلاً لكنتُمْ فَنَدَا * 2385- عَادَتْ لِعتْرِهَا لَمِيسُ العِتْر: الأصل، ولَمِيسُ: اسم امرأة. يضرب لمن يرجع إلى عادة سوء تركها واللام في لعترها بمعنى إلى، يقال: عُدْتُ إليه، وله، قال الله تعالى 2386- عبْدٌ صَرِيخُهُ أََمَةٌ يضرب في استعانة الذليل بآخَرَ مثلِهِ. أي ناصره أذلٌ منه، والصريخ: المُصْرِخُ ههنا. 2387- عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُكَ يضرب للرجل يرى لنفسه فَضْلاً على الناس من غير تَفَضُّلٍ وتَطَوُّلٍ. 2388- عَبْدٌ وَحلْىٌ في يَدَيْه يضرب في المال يملكه مَنْ لا يستأهله ويروى عَبْدٌ وخَلاً ويروى عبد وخليٌ في يديه وكلها في المعنى قريب، والتقدير: هذا عبد، أو هو عبد، فالابتداء محذوف، والخبر مُبَقَّي. [ص 6] 2389- عَبْدٌ مَلَكَ عَبْداً فأَوْلاَهْ تَبّاً يضرب لمن لا يليق به الغنى والثروة. والتبُّ: التَّباب، وهو الخَسَار. 2390- عَبْدٌ أُرْسِل في سَوْمِهِ السُّوم: اسم من التسويم، وهو الإهمال أي أرسل مُسَوَّماً في عمله، وذلك إذا وثقت بالرجل وفوّضْتَ إليه أمرك، فأتى فيما بينك وبينه غير السَّداد والعفاف 2391- أعطاهُ بِقُوفِ رَقَبَتِهِ، و بِصُوفِ رَقَبَتِهِ وبِطُوف رَقَبَتِهِ، قال ابن دريد: يقال أخّتُ بقُوفَةِ قفاه وهو الشعر المتَدلِّي في نُقْرَة القفا. يضرب لمن يعطي الشيء بجملته وعينه ولا يأخذ ثمناً ولا أجراً. 2392- أَعْوَرُ عَيْنَكَ والْحَجَرَ يريد: يا أعور احْفَظْ عينَكَ واحذر الحجر، أو ارْقُب الحجَرَ، وأصله أن الأعور إذا أصِبَتْ عينُه الصحيحة بقي لا يبصر، كما قال إسماعيل بن جرير البَجَلي الشاعر، لطاهر ابن الحسين، مَدَّاحاً له فقيل له: إنه ينتحل ما يمدحك به من الشعر، فأحبَّ أن يمتحنه، فأمره أن يهجوه، فأبى إسماعيل، فقال طاهر: إنما هو هجاؤك لي أو ضَرْبُ عنقك، فكتب في كاغد هذه الأبيات: رأيْتُكَ لا تَرَى إلا بعَيْن * وَعَيْنُك لا ترى إلاّ قَليلاَ فَأما إذا أصبت بفَرْد عَيْنٍ * فَخُذْ من عَيْنِكَ الأخرى كَفيلاَ فَقَدْ أَبْقَيتَ أنَّكّ عَنْ قَليلٍ * بظَهْرِ الكَفِّ تَلْتَمسُ السَّبيلاَ ثم عرض هذه الأبيات على طاهر، فقال: لا أرَيَنَّكَ تنشدها أحداً، ومَزَقَ القرطاس، وأحسن صلَته. ويقال: إن غراباً وقع على دَبَرَة ناقةٍ فكِرهَ صاحبُها أن يرميه فتثور الناقة، فجعل يُشِير إليه بالحجر، ويسمى الغراب أعور لحدة بصره، على التشؤم، أو على القلب كالبَصِير للضرير وأبي البَيضَاء للحبشي. 2393- عِنْدَهُ من المالِ عَائِرَةُ عَيْنٍ يقال: عُرْتُ عينه أي عَوَّرْتها، ومعنى المثل أنه من كثرته يملأ العين، حتى يكاد يعورها، وقال: أبو حاتم: عَارَتْ عينُه أي ذهبت، قال: ومعنى المثل عنده من المال ما تَعِيرُ فيه العين، أي تجئ وتذهب وتحير، وقال الفراء: عنده من المال عائِرةُ عينٍ، وعائرة عَيْنَين، وعَيَّرَة، وأصل [ص 7] هذا أنهم كانوا إذا كَثُرَ عندهم المالُ فَقَؤُ عين بعير دفعاً لعين الكمال، وجُعِلَ العَوَرُ لها لأنها سببه، وكانوا يفعلون ذلك إذا بلغت الإبل ألفاً، والتقدير: عنده من المال إبلٌ عائرةُ عين، أي مقدار ما يُوجِبُ عَوَرَ عين، أي ألفٌ. 2394- عَيْنٌ عَرَفَتْ فَزَرَفَتْ يضرب لمن رأى الأمر فعرف حقيقته. 2395- أَعْيَيْتِنِي بأُشُرٍ فَكَيْفَ بِدُرْدُرٍ أصل ذلك أن رجلاً أبغض امرأته و أحبته، فولدت له غلاماً، فكان الرجل يقبل دردره، وهو مُعْرِزُ الأسنان، ويقول: فَدَيْتُ دُردُرَك، فذهبت المرأة فكسرت أسنانها، فلما رأى ذلك منها قال: أعْيَيْتِنِي بأشُرٍ فكيف بدُرْدُرٍ؟ فازداد لها بغضاً، والأشُرُ: تحزيز الأسنان، وهو تحديد أطرافها، والباء في بأشُرٍ وبدردر بمعنى مع، أي أعييتِنِي حين كنت مع أشر فكيف أرجو فلاحَكِ مع دردر؟ قال أبو زيد: معنى المثل أنك لم تَقْبَلِي الأدبَ وأنت شابة ذات أشُر في أسنانك، فكيف الآن وقد أسننت ؟ومثله: 2396- أعْيَيْتِنِي من شُبُّ إلى دُبَّ، ومنْ شُبَ إلى دُبٍّ فمن نَوَّن جعله بمنزله الاسم بإدخال من عليه، ومن لم ينون جعله كقولهم نهى رسول الله عن قِيلَ وقَالَ على وجه الحكاية للفعل. والمثلان يضربان لمن يكون في أمر عظيم غير مرضى فيمتد فيه، أو يأتي بما هو أعظم منه ويقال في قولهم من شب أي من لدن كنت شاباً إلى أن دَبَبت على العصا، لأي أنك معهودٌ منك الشرُّ منذ قديم فلا يرجى منك أن تقصر عنه، يقال: شَبَّ الغلامُ يَشبُّ شَبَاباً وشَبيبة، إذا ترعرع. قلت: الكلام شَبَّ بالفتح والمثلُ شُبَّ بالضم، ولا وجه له يحمل عليه، إلا أن يقال: شعرها يَشُبُّ لونَهَا أي يظهره، وكذلك شَبَّ النار إذا أوقدها وأظهرها، كأنهم أرادوا أعييتني من لدن قيل أظهر، أي ولد وظهر للرائين، إلى أن شابَ ودَبَّ على العصا، ثم نزل الفعل منزلة الاسم وأدخل عليه من ونُوِّنّ، وإذا لم ينون حكى على لفظ الفعل، ورفعوا دُبَّ في الوجهين على سبيل الإتباع والمزاوجه؛ لأن دَبَّ ليتعدى البتة ويروى من لدن شَبَّ إلى دَبَّ [ص 8] 2397- عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ لِسَانٌ صَالِحَةٌ يعني الثناء يضرب لمن يُثْنَى عليه بالخير 2398- عَضَّ عَلَى شِبْدِعِهِ الشِّبْدِعُ: العقرب يضرب لمن يحفظ اللسان عما لا يَعْنِيه 2399- عَلَى يَدَيَّ دّارَ الحَدِيثُ يضرب به منْ كان عالماً بالأمر ويروى هذا المثل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه تكلم به في المُتْعَة 2400- عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ قال ابن السِّكِّيت: هو العَدْلُ بن جزء بن سعد العشيرة، وكان على شرط تُبَّع، وكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه، فجرى به المثل في ذلك الوقت؛ فصار الناس يقولون لكل شئ قد يُئِس منه: هو على يَدَيْ عدل 2401- أعْطَى عَنْ ظهْرِ يَدٍ أي ابتداء، لاعن بيع ولا مكافأة، قَال الأَصمَعي: أعطيته مالاً عن ظهر يدٍ، يعني تفضُّلاً ليس من بيع ولا من قرْض ولا مكافأة قلت: الفائدة في ذكر الظهر هي أن الشَيء إذا كان في بطن اليد كان صاحبُهُ أملَكَ لحفظه، وإذا كان على ظهرها عَجَزَ صاحبها عن ضبطه؛ فكان مبذولا لمن يريد تناوله. يضرب لمن يُنَالُ خيره بسهولة من غير تعب 2402- عَيٌّ أَبْأَسُ مِنْ شَلَلٍ أصل هذا المثل أن رجلين خَطَبا امرَأة وكان أحدهما عَيَّ اللسان كثير المال، والآخَر أشَلَّ، لا مال له، فاختارت الأشل، وقَالت: عَيٌّ أبأس من شلل، أي شر وأَشَدُّ احتمال 2403- عَرَكْتُ ذَلِكَ بِجَنْبِي أي احتملته وسَتَرتُ عليه 2404- عَرَفَ بَطْنِي بَطْنَ تُرْبَةَ هذا رجل كان غاب عن بلاده، ثم قدم فألصق بطنه بالأرض، فَقَال هذا القول، وتربة: أرضٌ معروفة من بلاد قيس يضرب لمن وصل إليه بعد الحنين له 2405- عَيَّرَ بُجَيْرٌ بُجَرَةَ البُجَر: جمع بُجْرَة، وهي نُتُوء السرة يعبر بها عن العيوب، وبجرة في المثل: اسم رجل، وكذلك بجير، ويروى بَجرة بفتح الباء يُقَال: عير: بجير بُجَرَة، نسى بجير خبره، والتعيير: التنفير، من قولك "عَارَ [ص 9] الفَرَسُ يَعيِرُ" إذا نفر، وعَيَّر نَفَّر، كأنه نفَّر الناس عنه بما ذكر من عيوبه، وحذف المفعول الثاني للعلم به 2406- عَلَى أُخْتِكِ تُطْرَدِينَ وذلك أن فرساً عارت فركب طالبها أختَها فطلبها عليها. يضرب للرجل إذا لقى مثله في العلم والدهاء، أو في الجهل والسفه 2407- عَرَفَتْنِي نَسَأَها الله النَّسىء: التأخير، يُقَال: نَسَأَه في أجله وأنسأه أجله، عن الأَصمَعي، والنَّسِىء والنَّساء: اسم منه، ومنه قولهم " من سرَّه النَّساء ولا نساء فليخفف الرداء، وليباكر الغَدَاء، وليُقِلَّ غِشْيَان النِّساء" ومعنى المثل أخَّرَ الله أجلها، وأصله أن رجلا كانت له فرس فأخذت منه ثم رأها بعد ذلك في أيدي قوم، فعرفته فجَمَحَتْ حين سمعت كلامه، فَقَال الرجل: عرفَتْني نَسَأها الله، فذهبت مَثَلاً، هذا قول الأَصمَعي وأما غيره فَقَال: المثل لِبيهَسٍ الملقب بنعامة، وإنما لُقب بها لِطوُل ساقيه، وقَال حمزة: لقب به لشدة صَمَمِهِ، فطرق امرأته ذات ليلة فجأة في الظلماء، فَقَالت امرأته: نَعَامَةُ والله، فَقَال بيهس: عرفتني نَسَأها الله وقيل: خرج قوم مُغِيرون على آخرين فلما طلع الصبح قَالت امرَأة لبعض المُغِيرين: خالاتك يا عماه، فَقَال: عرفَتْنِي نسَأها الله، أي أخَّرَ الله مدتها. 2408- أعْجَبَ حَيَّاً نَعَمُهُ حي: اسم رجل أتاه رجل يسأله فلم يُعْطِهِ شيئاً، فشكاه فقيل: أعجب حياً نعمه، أي راقُه وأعجبه فبخِلَ به عليك. 2409- الْعَاشِيَةُ تُهَيِّجُ الآبِيَّةَ يُقَال: عَشَوْتُ في معنى تَعَشَّيْتُ، وغَدَوْتُ في معنى تَغَدَّيْتُ، ورجل عَشْيَان أي مُتَعشٍّ، وقَال ابن السكيت: عَشِي َالرجلُ وعَشيتِ الإبل تَعْشَى عَشَىً إذا تَعَشّتْ، قَال أبو النجم: تَعْشَي إذا أظلم عن عشَائِه* يقول: يتعشّى وقت الظلمة. قَال المفضل: خرج السُلَيْكُ بن السَلَكَةِ واسمه الحارث بن عمرو بن زيد مُناة بن تميم، وكان أنكر العرب وأشعرهم، وكانت أمه أمةً سوداء، وكان يدعى "سُلَيْكَ المَقَانِب" وكان أدلَّ الناس بالأرض وأعداهم على ِرْجِله لا تعلق به الخيل، وكان يقول: اللهم إنك تهيئ ما شِئت لما شِئت إذا شِئت، إني لو كنت ضعيفاً لكنت عبداً، ولو كنت امرَأة لكنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخَيْبَة فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحداً. زعموا أنه خرج يريد أن يُغير في ناسٍ من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناسُ مُخْصِبُون في عشية فيها ضباب ومطر فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فَقَال لأصحابه: كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي هذا البيت فلعلي أصيب خيراً و آتيكم بطعام، فَقَالوا له: افعل، فانطلقَ إليه، وَجَنَّ عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رُوَيْمٍ الشيباني، وإذا الشيخُ وامرأته بفناء البيت، فاحتال سليك حتى دخل البيت من مؤخَّره، فلم يلبث أن أراح ابن الشيخ بإبله في الليل، فلما رآه الشيخ غضِبَ وقَال: هلا كنت عشَّيْتَهَا ساعةً من الليل، فَقَال ابنه: إنها: أبَتِ العشاء، فَقَال يزيد: إن العاشية تهيج الآبية، فأرسلها مَثَلاً، ثم نفض الشيخ ثوبه في وَجْهها، فرجعت إلى مَرَاتعِها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وقَعد الشيخ عندها يتعشَّى وقد خنس وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السُليك حين رآه انطلق، فلما رآه مغتراً ضربه من ورائه بالسيف فأطار رأسه وأطرد إبله، وقد بقى أصحاب السليك وقد ساء ظنهم وخافوا عليه، فإذا به يطرد الإبل، فأطردوها معه، فَقَال سُلَيك: في ذلك وعَاشية رُجٍّ بِطَانٍ ذَعَرْتُهَا * بصَوْتِ قَتِيْلٍ وسْطَهَا يُتَسَيَّفُ أي يضرب بالسيف كأن عليه لَوْنَ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ * إذا ماَ أتَاهُ صَارِخٌ مُتَلَهِّفُ يريد بقوله "لون برد محبر" طرائق الدم على القتيل، وبالصارخ الباكي المتحزن له فَبَاتَ لهَا أهْلٌ خَلاَء فِنَاؤُهُمْ * ومَرَّتْ بِهمْ طَيْرٌ فَلم يَتَعَيَّفُوا أي لم يزجروا الطير فيعلموا من جملتها أيقتل هذا أو يسلم. وَبَاتُوا يَظُنُّونَ الظُّنُونَ وَصُحْبَتَي * إذا مَا عَلَوْا نَشْزَاً أهَلُّوا وَ أَوْجَفُوا أي حملُوها على الوَجيف، وهو ضرب من السير. وَمَا نِلْتُهَا حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً * وَكِدْتُ لأسبابِ المَنِيَّةِ أعرِفُ أي أصبر. وَحَتَّى رأيتُ الجُوْعَ بالْصَّيْفِ ضَرَّني * إذا قُمْتُ يَغْشَانِي ظِلال فأسدِف خص الصيف دون الشتاء لأن بالصيف لا يكاد يجوع أحد لكثرة اللبن، فإذا جاع [ص 11] هو دلَّ على أنه كان لا يملك شيئاً، وقوله "أسدف" يريد أدور فأدخل في السُّدْفَةَ وهي الظلمة، يعني يظلم بصرى من شدة الجوع. يُقَال: إنه كان افتقر حتى لم يبق عنده شَيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غِرَّةً من بعض مَنْ يمرُّوا عليه فيذهب بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة اُشتمل الصَّمَّاء وهو أن يَرُدَّ فَضْلَ ثوبِه عَلى عضُدِهِ اليمنى ثم ينام عليها فبينما هو نائم إذ جثم عليه رجل فَقَال له: اسْتَأْسِرْ فرفع سليك رأسه وقَال: الليلُ طويل وأنت مقمر، فذهب قوله مَثَلاً، ثم جَعَل الرجل يلهزه ويقول: يا خبيث استأسر، فلما آذاه أخرج سليك يده فضمَّ الرَجلَ ضَمَةً ضرِطَ منها، فَقَال: أضَرِطاً وأنت الأعلى؟ فذهبت مَثَلاً، وقد ذكرته في باب الضاد، ثم قَال له سليك: مَنْ أنت؟ فَقَال: أنا رجل افتقرت فقلت لأخْرُجَنَّ فلا أرجع حتى أستغني، قَال فانطلق معي، فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصتُه مثل قصتُهما، فاصطحبوا جميعا، حتى أتوا الجوف جوف مراد الذي باليمن إذا نَعَمٌ قد ملاء كل شَيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها فيلحقهم الحي، فَقَال لهما سليك: كُنا قريبا حتى آتي الرِّعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب هم أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعتُ إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولاً ألحَنُ به لكما فأغِيرَا، فانطلق حتى أتى الرِّعاء فلم يزل يتسقَّطهم حتى أخبره بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدكوا، فَقَال السليك: ألا أغنيكم؟ قَالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته: يا صَاحِبَيَّ ألا لاحَيَّ بالوادي * إلا عَبِيدٌ وَآمٍ بَيْنَ أذْوَادَ أَتنظران قليلاً رَيثَ غَفْلَتِهمْ * أمْ تَغْدُوَانِ فَإنَّ الرِّبحَ لِلْغَادي فلما سمعا ذلك أتَيَاه فأطردوا الإبل، فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخُ الحيَّ حتى مَضَوا بما معهم.
|